الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).
.تفسير الآيات (9- 17): {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)}{انظر} يا محمد {كيف ضربوا لك الأمثال} أي الأشباه التي لا فائدة لها فقالوا مسحور محتاج {فضلوا} أي عن الحق {فلا يستطيعون سبيلاً} إلى الهدى ومخرجاً عن الضلالة. قوله تعالى: {تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك} أي من الذي قالوا: وأفضل من البستان الذي ذكروا وقال ابن عباس يعني خيراً من المشي في الأسواق والتماس المعاش ثم بين ذلك الخير فقال {جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً} أي بيوتاً مشيدة عن أبي أمامة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «عرض عليَّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً قلت لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً أو قال ثلاثاً أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك» عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو شئت لسارت معي جبال مكة ذهباً جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إن شئت نبياً عبد اً وإن شئت نبياً ملكاً فنظرت إلى جبريل فأشار إلي أن ضع نفسك، فقلت: نبياً عبد اً قالت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئاً يقول: أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد» ذكر هذين الحديثين البغوي بسنده. قوله تعالى: {بل كذبوه بالساعة} أي القيامة {وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً} أي ناراً مسعرة {إذا رأتهم من مكان بعيد} قيل: من مسيرة عام وقيل من مسيرة مائة عام. فإن قلت: كيف تتصور الرؤية من النار وهو قوله إذا رأتهم. قلت يجوز أن يخلق الله لها حياة وعقلاً ورؤية وقيل: معناه رأتهم زبانيتها {سمعوا لها تغيظاً} أي غلياناً كالغضبان إذا غلى صدره من الغضب {وزفيراً} أي صوتاً فإن قلت كيف يسمع التغليظ. قلت: رأوا وعلموا لها تغيظاً وسمعوا لها زفيراً كما قال الشاعر:أي وحاملاً رمحاً، وقيل: سمعوا لها صوت التغيظ من التلهب والتوقد، وقال عبيد بن عمير: تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه {وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً} قال ابن عباس تضيق عليه كما يضيق الزج في الرمح {مقرنين} أي مصفودين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال، وقيل: مقرنين مع الشياطين في السلاسل {دعوا هنالك ثبوراً} قال ابن عباس: ويلاً وقيل هلاكاً وفي الحديث «إن أول من يكسى حلة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من خلفه وهو يقول يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار فينادي يا ثبوراه وهم ينادون يا ثبورهم فيقال لهم {لا تدعو اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً}» هكذا ذكره البغوي بغير سند، وقيل معناه هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة فادعوا أدعية كثيرة. قوله عز وجل: {قل أذلك خير} أي الذي ذكرت منه صفة النار وأهلها {أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاءً ومصيراً} أي ثواباً ومرجعاً لهم قال تعالى: {لهم فيها ما يشاؤون} أي أن جميع المرادات لا تحصل إلا في الجنة، لا في غيرها. فإن قلت: قد يشتهي الإنسان شيئاً، وهو لا يحصل في الجنة كأن يشتهي الولد ونحوه وليس هو في الجنة قلت إنّ الله يزيل ذلك الخاطر عن أهل الجنة، بل كان واحد من أهل الجنة مشتغل بما هو فيه من اللذات الشاغلة عن الالتفات إلى غيره {خالدين} أي في نعيم الجنة ومن تمام النعيم أن يكون دائماً، إذ لو انقطع لكان مشوباً بضرب من الغم وأنشد في المعنى: {كان على ربك وعداً مسؤولاً} أي مطلوباً، وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم في الدنيا حين قالوا {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} وقالوا {ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك} يقول كان إعطاء الله المؤمنين جنة وعداً، وعدهم على طاعتهم إياه في الدنيا ومسألتهم إياه ذلك الوعد وقيل الطلبة من الملائكة للمؤمنين وذلك قولهم {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم} قوله تعالى: {ويوم نحشر وما يعبد ون من دون الله} يعني من الملائكة والإنس والجن مثل عيسى والعزير، وقيل يعني الأصنام ثم يخاطبهم {فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل} أي أخطؤوا الطريق. .تفسير الآيات (18- 23): {قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآَبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}{قالوا} يعني المعبودين {سبحانك} نزهوا الله سبحانه وتعالى من أن يكون معه آلهة {ما ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} يعني ما كان ينبغي لنا أن نوالي أعداءك، بل أنت ولينا من دونهم وقيل معناه، ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبد ك ونحن عبيدك {ولكن متعتهم وآباءهم} أي بطول العمر والصحة والنعمة في الدنيا {حتى نسوا الذكر} معناه تركوا المواعظ والإيمان بالقرآن وقيل تركوا ذكرك وغفلوا عنه {وكانوا قوماً بوراً} معناه هلكى أي غلب عليهم الشقاء والخذلان {فقد كذبوكم} هذا خطاب مع المشركين أي كذبكم المعبودون {بما تقولون} يعني أنهم آلهة {فما يستطيعون} أي الآلهة {صرفاً} أي صرف العذاب عن أنفسهم {ولا نصراً} يعني ولا نصر أنفسهم وقيل لا ينصرونكم أيها العابدون بدفع العذاب عنكم {ومن يظلم منكم} يعني يشرك {نذقه عذاباً كبيراً}.قوله عز وجل: {وما أرسلنا قبلك} أي يا محمد {من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} قال ابن عباس: لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} أنزل الله تعالى على هذه الآية والمعنى أن هذه عادة مستمرة من الله تعالى على رسله فلا وجه لهذا الطعن {وما أنا إلا رسول} {وما كنت بدعاً من الرسل} وهم كانوا بشراً مثلي، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} أي بلية قال ابن عباس أي جعلنا بعضكم بلاء بعض، لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم وتتبعوا أنتم الهدى، قيل: نزلت في ابتلاء الشريف بالوضيع وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم رأى الوضيع، قد أسلم قبله فأنف وقال: أسلم بعده فيكون له السابقة والفضل علي فيقيم على كفره ويمتنع من الإسلام فذلك افتتان بعضهم ببعض وقيل: نزلت في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاص بن وائل السهمي والنضر بن الحارث وذلك أنهم رأوا أبا ذر وابن مسعود وعمار بن ياسر وبلالاً، وصهيباً وعامر بن فهيرة وذويهم، قد أسلموا قبلهم فقالوا: نسلم فنكون مثل هؤلاء وقيل: نزلت في ابتلاء فقراء المسلمين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين تبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم من موالينا وأراذلنا فقال الله تعالى لهؤلاء المؤمنين {أتصبرون} أي على هذه الحالة من الفقر والشدة والأذى وقيل إن الغني فتنة الفقير يقول ما لي لم أكل مثله والصحيح فتنة المريض والشريف فتنة الوضيع {وكان ربك بصيراً} أي بمن صبر وبمن جزع.(ق) عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه بالمال والجسم فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم» لفظ البخاري ولمسلم «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم».قوله تعالى: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا} أي يخافون البعث والرجاء، بمعنى الخوف لغة تهامة {لولا أنزل علينا الملائكة} فتخبرنا أن محمداً صادق {أو نرى ربنا} فيخبرنا بذلك {لقد استكبروا} أي تعظموا {في أنفسهم} بهذه المقالة {وعتوا عتواً كبيراً} أي طغوا وقيل عتواً في القول وهو أشد الكفر والفحش وعتوهم، طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به. قوله تعالى: {يوم يرون الملائكة} أي عند الموت وقيل يوم القيامة {لا بشرى يومئذٍ للمجرمين} وذلك أن الملائكة يبشرون المؤمنين، يوم القيامة ويقولون للكفار: لا بشرى لكم وقيل: لا بشارة لهم بالجنة كما بشر المؤمن {ويقولون حجراً محجوراً} قال ابن عباس تقول الملائكة حراماً محرماً أن يدخل الجنة، إلا من قال لا إله الله محمد رسول الله، وقيل: إذا خرج الكفار من قبورهم تقول لهم الملائكة حراماً محرماً عليكم أن تكون لكم البشرى وقيل هذا قول: الكفار للملائكة وذلك أن العرب كانت إذا نزلت بهم شدة ورأوا ما يكرهون قالوا حجراً محجوراً فهم يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة. قوله عز وجل: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل} يعني من أعمال البر التي عملوها في حال الكفر {فجعلناه هباء منثوراً} أي باطلاً لا ثواب له لأنهم لم يعملوه لله عز وجل ومنه الحديث الصحيح «كل عمل ليس عليه أمرنا، فهو رد» والهباء هو ما يرى في الكوة كالغبار، إذا وقعت الشمس فيها فلا يمس بالأيدي، ولا يرى في الظل والمنثور المفرق قال ابن عباس هو ما تسقيه الرياح، وتذريه من التراب كحطام الشجر وقيل هو ما يسطع من حوافر الدواب عند السير من الغبار..تفسير الآيات (24- 29): {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)}قوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذٍ} أي يوم القيامة {خير مستقراً} أي من هؤلاء المشركين المستكبرين {وأحسن مقيلاً} أي موضع القائلة، وذلك أن أهل الجنة لا يمر بهم يوم القيامة إلا قدر من أول النهار إلى وقت القائلة حتى يسكنوا مساكنهم في الجنة قال ابن مسعود لا يتنصف النهار يوم القيامة حتى يقبل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار والقيلولة الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن مع ذلك نوم لأن الله تعالى قال {وأحسن مقيلاً} والجنة لا نوم فيها قال ابن عباس الحساب في ذلك اليوم في أوله، ويروى أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون، كما بين العصر إلى غروب الشمس. قوله تعالى: {يوم تشقق السماء بالغمام} أي عن تشقق الغمام وهو غمام أبيض مثل الضبابة، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم {ونزل الملائكة تنزيلاً} قال ابن عباس تشقق السماء الدنيا فينزل أهلها، وهم أكثر ممن في الأرض من الإنس والجن ثم تتشقق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ومن الجن والإنس ثم كذلك حتى تتشق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي تليها ثم تنزل الكروبيون ثم حملة العرش {الملك يومئذٍ الحق للرحمن} أي الملك الذي هو الملك حقاً ملك الرحمن يوم القيامة، قال ابن عباس: يريد أن يوم القيامة لا ملك يقضي غيره {وكان يوماً على الكافرين عسيراً} أي شديد وفيه دليل على أنه لا يكون على المؤمنين عسيراً وجاء في الحديث «أنه يهون يوم القيامة على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا».قوله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه} أراد بالظالم عقبة بن أبي معيط، وذلك أنه كان لا يقدم من سفر، إلا صنع طعاماً ودعا إليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبيّ صلى الله عليه وسلم «فقدم ذات يوم من سفر، فصنع طعاماً ودعا الناس إليه ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرب الطعام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فأكل رسول الله صلى الله علي وسلم من طعامه. وكان عقبة صديقاً لأبيّ بن خلف، فلما أخبر أبيّ بن خلف، قال له: يا عقبة صبأت، قال لا والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي، ولم يطعم فشهدت له فطعم، فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك أبداً إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه، ففعل ذلك عقبة فقال عليه الصلاة والسلام، لا أراك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فقتل عقبة يوم بدر صبراً وأما أبيّ بن خلف فقتله النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده يوم أُحد» وقيل لما بزق عقبة في وجه النبيّ صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه في وجهه، فاحترق خداه فكان أثر ذلك في وجهه، حتى قتل وقيل كان عقبة بن أبي معيط خليل أمية بن خلف، فأسلم عقبة فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمداً فكفر وارتد، فأنزل الله فيه {ويوم يعض الظالم} يعني عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، على يديه، أي ندماً وأسفاً على ما فرط في جنب الله، وأوبق نفسه بالمعصية والكفر لطاعة خليله الذي صده عن سبيل ربه، قال عطاء: يأكل يديه حتى مرفقيه ثم ينبتان، ثم يأكلهما هكذا كلما نبتت يده أكلها على ما فعل، تحسراً وندامة {يقول يا ليتني اتخذت} أي في الدنيا {مع الرسول سبيلاً} أي ليتني اتبعت محمداً صلى الله عليه وسلم واتخذت معه طريقاً إلى الهداية {يا ويلتى} دعا على نفسه بالويل {ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً} قيل يعني أبي بن خلف {لقد أضلني عن الذكر} أي عن الإيمان والقرآن {بعد إذ جاءني} يعني الذكر مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم {وكان الشيطان} وهو كل متمرد عات صد عن سبيل الله من الجن والإنس {للإنسان خذولاً} أي كثير الخذلان يتركه ويتبرأ منه عند نزول البلاء والعذاب به وحكم الآية عام في كل خليلين، ومتحابين اجتمعا على معصية الله.(ق) عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك أما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيباً ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» أخرجه أبو داود والترمذي. ولهما عن أبي سعيد الخدري قال: قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم «لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي».
|